في قلب
مدينة جبيل (جبل لبنان)، بقرب شاطئها الذي حمل إلى العالم أوّل حرف وأوّل
كتاب، كنيسةٌ فخمة، يُجمع معظم المؤرّخين على أنّ بناءها الحاليّ يعود إلى سنة
115، على أيدي الصلبيّين (1096-1270)، شيّدوها على أنقاض كنيسةٍ قديمةٍ على
اسم القدّيس يوحنّا مرقس، الإنجليّ الثاني، الذي يعتبره التقليد مؤسّسًا لأوّل
جماعةٍ مسيحيّةٍ في جبيل.
ضربها
زلزالٌ في سنة 1170، وأعيد ترميمها. اجتاحها الجيش العثمانيّ فجعلها على
التوالي اصطبلاً ومطبخًا ومعسكرًا. وتسلذمتها الرهبانيّة اللبنانيّة
المارونيّة بفضل الشيخ سعد الخوري، بوجب صكّ مكتوب، هبة من الأمير يوسف
الشهابي، في سنة 1766.
وقد قاسى
فيها الرهبان الأمرّين، جريًا على عادتهم، من أجل بناء الأديار والكنائس. ولم
يقتصر عملهم على الاهتمام بقيام الممتلكات، بل كان عليهم حمايتها من
التعدذيات. فكانوا يعملون في النهار، والمعتدون يخرّبون في الليل. لكنّ
الرهبانيّة استمرّت، على الرغم من المضايقات المتكرّرة، بعمليّة الترميم في
كنيسة مار يوحنّا مرقس، وهذا ما تؤكّده اللوحة الرخاميّة الموجودة فوق مدخل
الكنيسة المذكورة: "قد تجدّد تشييد هذا الهيكل المبارك في أيّام الحبر
الأعظم البابا بيوس السادس، أيّام السيّد البطريرك مار يوسف اسطفان، وبهمّة
الشيخ سعد الخوري ومساعدته، وبعنايةٍ ربّانية ورهبنة لبنانيّة وطائفة
مارونيّة. تمّ في سنة 1776.
تعرّضت
الكنيسة، سنة 1840، للمدفعيّة الإنكليزيّة التي كانت تضرب الجيش المصريّ،
فتهدذمت واجهتها الغربيّة، فأعيد ترميمها لاحقًا. وفي سنة 1857، وبعد سماح
السلطان بتعليق الأجراس على الكنائس، أعيد تعليق جرسها.
ومنذ
تسلّمت الرهبانيّة هذه الكنيسة حتّى يومنا، طرأت عدّة تغييرات في داخلها وخارجها،
من حيث الخورس وقبّة الجرس وتعيم السقف واكتشاف فسيفساء بيزنطيّة مثبّة
حاليًّا شرقيّ الكنيسة.
يسكن
الرهبان في أنطش جانب الكنيسة، ويهتمّون بخدمة أبناء الرعيّة روحيًّا وزمنيًّا
واجتماعيًّا. أنشأوا فيه مركزًا خاصًّا لتعليم العلمانيّين اللاهوت. ثمّ أنشأت
بمحاذاته جامعة الروح القدس- الكسليك كليّة الحقوق، امتدادًا لماضي جبيل
العريق، وخدمةً للتاريخ والكنيسة والإنسان.
ويهتمّ
رهبان الأنطش بالخدمة الرعويّة بكنيسة سيّدة مريتيم، وكنيسة سيّدة البوابة،
ومعبد القدّيسة أكويلينا الجبيليّة.
يستقبل
الأنطش، في قاعة المحاضرات الحديثة (قاعة الأباتي عمانوئيل خوري 1922-1993)،
اجتماعات الشبيبة والأخويّات والحركات الرسوليّة ولقاءات الكهنة. ويعتني،
بشكلٍ خاص، بالشبيبة المنتمية إلى الحركة الكشفيّة وبعدد كبير من المتقدّمين
في السنّن في إطار "مطعم المحبّة".
وتجدر
الإشارة إلى أنّ ما يقوم به رهبان الأنطش، في مدينة جبيل، يجسّد وجهًا مشرقًا
من العمل الرعويّ، الذي تنهض به الرهبانيّة، إسهامًا في مسيرة الكنيسة
العامذة، وخدمةً للمؤمنين في هذه المنطقة التي تفاعلت مع الرهبانيّة، على مرّ
التاريخ، فأغنتها بالعديد الرهبانيّ، واغتنت بعطاءاتها الروحيّة والثقافيّة
والإنسانيّة.
|